د. محمد عمارة في السنة العاشرة من الهجرة حج النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ حجته الوحيدة، وفيها خطب الناس "خطبة حجة الوداع"..
كان
الدين قد اكتمل، وبلغ النبي ما أنزل إليه من ربه.. فلما أكمل الرسالة أحس
بدنو الأجل، فخاطب الأمة بالكلمات الجامعة التي ضمنها هذه الخطبة، والتي
شملت الكثير من العبارات التي قننت الحقوق المدنية والاجتماعية لأمة
الإسلام.
ففيها
تحدث عن قرار الشريعة الإسلامية بأخوة المؤمنين (إنما المؤمنون إخوة)،
وبالمساواة الإسلامية التي شرعت "الأممية" الإسلامية، منذ ذلك التاريخ
البعيد (إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند
الله اتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى).. فهي "أممية"
إنسانية، وليست طبقية ولا عرقية، كالأمميات التي دعت إليها وعرفتها فلسفات
وحضارات أخري.
وفي
هذه الخطبة أعلن الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ "الإصلاح – الثوري" الذي
نسخ كل مظالم الجاهلية (إن ربا الجاهلية موضوع.. وإن دماء الجاهلية
موضوعة.. وإن مآثر الجاهلية موضوعة.. وإنما النسئ زيادة في الكفر)..
وفوق
ذلك، علمنا ـ صلي الله عليه وسلم ـ معنى القدوة وأهميتها، فالإمام إمام في
الريادة وتحمل التبعتات، يبدأ بنفسه ليصلح بصلاحه الحال العام (وإن أول
ربا أبدأ به ربا عمي العباس.. وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب).
وإذا
كانت هناك استثناءات من تأثر الجاهلية فلا يصح أن تكون من نصيب الإمام،
ولا من نصيب رهط الإمام.. "فسدانة الكعبة" – وفيها الشرف والمغنم – لم تعط
لأحد من بني هاشم.. أما "سقاية الحجيج" – وفيها الشرف والمغرم – فلقد بقيت
كما كانت في الهاشميين!..
وفي
هذه الخطبة أكد الرسول – صلي الله علية وسلم – علي مساواة النساء للرجال
في الحقوق والواجبات.. وأوصي بهن خيرًا، بل وبدأ بذكر حقهن علي الرجال، لما
كن عليه من ضعف بالنسبة إلى الرجال.. فكانت عباراته التي تحدثت عن حق
النساء على الرجال وحق الرجال على النساء "العقد الإنساني – الإسلامي"
المنظم والحاكم لعلاقات الجنسيين أحدهما بالآخر (إن لنسائكم عليكم حقًا،
ولكم عليهن حق).
وفي
هذه الخطبة حدد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن المعيار الذي تتحاكم
إليه الأمة دائما وأبدًا، هو "مبادئ كلية تحدد الفلسفات والمقاصد
والغايات"، الذي يعني "المرحلية" و"التغيير" و"التطور" للنظم والاجتهادات
(إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده كتاب الله وسنة نبيه)..
فلا جمود عن الماضي.. ولا قطعية مع هذا الماضي.. وإنما هي الشرعية، التي
تمثل الشجرة الثابتة.. والتي تخرج منها الفروع والأوراق لتظلل المستجدات..
لتظل الشرعية واحدة دائمًا وأبدًا.. وليظل القانون إسلاميًا دائمًا وأبدًا؟
المصدر : موقع المصريون