يقال:
إن أنوشروان الملك العادل مضى يوما إلى الصيد، فرأى ضيعة في القرب منه
وكان قد عطش، فقصد الضيعة وأتى باب دار قوم، وطلب ماء ليشرب، فخرجت صبية
فأبصرته، ثم عادت إلى البيت، فدقت قصبة واحدة من قصب السكر، ومزجت ما عصرته
بشيءٍ من الماء، ووضعته بالقدح وسلمته إلى أنوشروان، فنظر في القدح فرأى
فيه تراباً وقذى، فشرب منه قليلاً حتى انتهى إلى آخره، وقال للصبية:
نعم الماء لولا قذىً كدره.
فقالت: أنا عمدا ألقيت به القذي.
فقال: ولم فعلت ذلك؟
قالت: رأيتك شديد العطش، فلو لم يكن في الماء قذى كنت شربته عجلاً في نوبةٍ واحدة، وكان يضرك شربه !.
فعجب أنوشروان من كلامها ، وعلم أنها قالته عن ذكاءٍ وفطنةٍ.
ثم قال لها:
من كم قصبةٍ دققت ذلك الماء؟
فقالت: من قصبة واحدة.
فتعجب
أنوشروان وأضمر في نفسه أنه إذا عاد أمر بزيادة الخراج عليهم ، ثم عاد إلى
تلك الناحية بعد وقتٍ، واجتاز على ذلك الباب منفرداً، وطلب ماء ، فخرجت
تلك الصبية بعينها فرأته، فعرفته، ثم عادت لتخرج الماء، فأبطأت عليه،
فاستعجلها أنو شروان ، وقال:
لأي سبب أبطأت:
قالت لأنه لم يخرج من قصبة واحدة حاجتك، وقد دققت ثلاث قصباتٍ ، ولم يخرج منها بقدر ما كان يخرج من واحدة.
فقال أنوشروان: ما سبب هذا العجز؟
فقالت الصبية: سببه تغير نية السلطان ، فقد سمعنا: أنه إذا تغيرت نية السلطان على قوم زالت بركاتهم ، وقلت خيراتهم.
فضحك أنوشروان وعجب من قولها وأزال من نفسه ما كان قد أضمر لهم ، وتزوج الصبية لتعجبه من ذكائها وحسن كلامها.