صدرت مؤخراً دراسة لباحث مسيحي مصري هو
الدكتور نبيل لوقا بباوى تحت عنوان : (انتشار الإسلام بحد السيف بين
الحقيقة والافتراء) رد فيها على الذين يتهمون الإسلام بأنه انتشر بحد السيف
وأجبر الناس على الدخول فيه واعتناقه بالقوة.
وناقشت الدراسة هذه التهمة الكاذبة بموضوعية علمية وتاريخية أوضحت خلالها
أن الإسلام ، بوصفه دينا سماويا ، لم ينفرد وحده بوجود فئة من أتباعه لا
تلتزم بأحكامه وشرائعه ومبادئه التي ترفض الإكراه في الدين ، وتحرم
الاعتداء على النفس البشرية ، وأن سلوك وأفعال وفتاوى هذه الفئة من الولاة
والحكام والمسلمين غير الملتزمين لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.
وقالت الدراسة : حدث في المسيحية أيضاً التناقض بين تعاليمها ومبادئها التي
تدعو إلى المحبة والتسامح والسلام بين البشر وعدم الاعتداء على الغير وبين
ما فعله بعض أتباعها في البعض الآخر من قتل وسفك دماء واضطهاد وتعذيب ،
مما ترفضه المسيحية ولا تقره مبادئها ، مشيرة إلى الاضطهاد والتعذيب
والتنكيل والمذابح التي وقعت على المسيحيين الكاثوليك ، لا سيما في عهد
الإمبراطور دقلديانوس الذي تولى الحكم في عام 248م ، فكان في عهده يتم
تعذيب المسيحيين الأرثوذكس في مصر بإلقائهم في النار أحياء على الصليب حتى
يهلكوا جوعا ، ثم تترك جثثهم لتأكلها الغربان ، أو كانوا يوثقون في فروع
الأشجار ، بعد أن يتم تقريبها بآلات خاصة ثم تترك لتعود لوضعها الطبيعي
فتتمزق الأعضاء الجسدية للمسيحيين إربا إربا.
وقال بباوي: إن أعداد المسيحيين الذين قتلوا بالتعذيب في عهد الإمبراطور
دقلديانوس يقدر بأكثر من مليون مسيحي إضافة إلى المغالاة في الضرائب التي
كانت تفرض على كل شيء حتى على دفن الموتى ، لذلك قررت الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية في مصر اعتبار ذلك العهد عصر الشهداء ، وأرخوا به التقويم
القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي. وأشار الباحث إلى الحروب الدموية إلتي حدثت
بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا ، وما لاقاه البروتستانت من العذاب
والقتل والتشريد والحبس في غياهب السجون إثر ظهور المذهب البروتستانتي على
يد الراهب مارتن لوثر الذي ضاق ذرعا بمتاجرة الكهنة بصكوك الغفران.
وهدفت الدراسة من رواء عرض هذا الصراع المسيحي إلى :
أولاً : عقد مقارنة بين هذا الاضطهاد الديني الذي وقع على المسيحيين
الأرثوذكس من قبل الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك وبين التسامح
الديني الذي حققته الدولة الإسلامية في مصر ، وحرية العقيدة الدينية التي
أقرها الإسلام لغير المسلمين وتركهم أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية
داخل كنائسهم ، وتطبيق شرائع ملتهم في الأحوال الشخصية ، مصداقا لقوله
تعالى في سورة البقرة : { لا إكراه في الدين }، وتحقيق العدالة والمساواة
في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية
إعمالا للقاعدة الإسلامية لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وهذا يثبت أن
الإسلام لم ينتشر بالسيف والقوة لأنه تم تخيير غير المسلمين بين قبول
الإسلام أو البقاء على دينهم مع دفع الجزية ( ضريبة الدفاع منهم وحمايتهم
وتمتعهم بالخدمات) ، فمن اختار البقاء على دينه فهو حر ، وقد كان في قدرة
الدولة الإسلامية أن تجبر المسيحيين على الدخول في الإسلام بقوتها أو أن
تقضي عليهم بالقتل إذا لم يدخلوا في الإسلام قهراً ، ولكن الدولة الإسلامية
لم تفعل ذلك تنفيذاً لتعاليم الإسلام ومبادئه ، فأين دعوى انتشار الإسلام
بالسيف ؟
ثانياً: إثبات أن الجزية التي فرضت على غير المسلمين في الدولة الإسلامية
بموجب عقود الأمان التي وقعت معهم ، إنما هي ضريبة دفاع عنهم في مقابل
حمايتهم والدفاع عنهم في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم من أي اعتداء خارجي ،
لإعفائهم من الاشتراك في الجيش الإسلامي حتى لا يدخلوا حرباً يدافعون فيها
عن دين لا يؤمنون به ، ومع ذلك فإذا اختار غير المسلم أن ينضم إلى الجيش
الإسلامي برضاه فإنه يعفى من دفع الجزية.
وتقول الدراسة: إن الجزية كانت تأتي أيضاً نظير التمتع بالخدمات العامة
التي تقدمها الدولة للمواطنين مسلمين وغير مسلمين ، والتي ينفق عليها من
أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون بصفتها ركناً من أركان الإسلام ، وهذه
الجزية لا تمثل إلا قدرا ضئيلا متواضعاً لو قورنت بالضرائب الباهظة التي
كانت تفرضها الدولة الرومانية على المسيحيين في مصر ، ولا يعفى منها أحد ،
في حيث أن أكثر من 70% من الأقباط الأرثوذكس كانوا يعفون من دفع هذه الجزية
، فقد كان يعفى من دفعها: القُصّر والنساء والشيوخ والعجزة وأصحاب الأمراض
والرهبان.
ثالثاً: إثبات أن تجاوز بعض الولاة المسلمين أو بعض الأفراد أو بعض
الجماعات من المسلمين في معاملاتهم لغير المسلمين إنما هي تصرفات فردية
شخصية لا تمت لتعاليم الإسلام بصلة ، ولا علاقة لها بمبادئ الدين الإسلامي
وأحكامه ، فإنصافاً للحقيقة يعني ألا ينسب هذا التجاوز للدين الإسلامي ،
وإنما ينسب إلى من تجاوز ، وهذا الضبط يتساوى مع رفض المسيحية للتجاوزات
التي حدثت من الدولة الرومانية ومن المسيحيين الكاثوليك ضد المسيحيين
الأرثوذكس ، ويتساءل قائلاً : لماذا إذن يغمض بعض المستشرقين عيونهم عن
التجاوز الذي حدث في جانب المسيحية ولا يتحدثون عنه بينما يضخمون الذي حدث
في جانب الإسلام ، ويتحدثون عنه ؟ ! ولماذا الكيل بمكيلين ؟ والوزن
بميزانين ؟!
وأكد الباحث أنه اعتمد في دراسته القرآن والسنة وما ورد عن السلف الصالح من
الخلفاء الراشدين – رضي الله عنه – لأن في هذه المصادر وفي سير هؤلاء
المسلمين الأوائل الإطار الصحيح الذي يظهر كيفية انتشار الإسلام وكيفية
معاملته لغير المسلمين.
الكوثر ، العدد 47، 1424هـ