منتديات الدفاع عن التاريخ
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم اذا كانت هذه زيارتك الاولى للمنتدى ندعوك للتسجيل في منتدياتنا
منتديات الدفاع عن التاريخ
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم اذا كانت هذه زيارتك الاولى للمنتدى ندعوك للتسجيل في منتدياتنا
منتديات الدفاع عن التاريخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات الدفاع عن التاريخ
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صاحب الفراسة المتنورة بالوحي (1-2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 367
نقاط : 14958
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 09/04/2012
العمر : 31
الموقع : فلسطين

صاحب الفراسة المتنورة بالوحي (1-2) Empty
مُساهمةموضوع: صاحب الفراسة المتنورة بالوحي (1-2)   صاحب الفراسة المتنورة بالوحي (1-2) Icon_minitimeالجمعة 27 أبريل - 21:32:03

فتح الله كولن

هناك
بديل لحل المشكلات، وهو اللجوء إلى الضغوط وإلى استخدام القوة وسن
العقوبات والطرد من البلاد وحرمان الشخص من حقوق المواطنة وفتح أبواب السجن
على مصاريعها وتطبيق صنوف التعذيب وبث العيون والجواسيس بين الناس وإشاعة
جو من الإرهاب والفزع بين المواطنين... لن تستطيع حل أي مشكلة بهذا
الأسلوب.. لا تعجز فقط عن حل المشكلات بل ستتسبب في خلق تعقيدات عديدة
وهزات عنيفة في المجتمع، لذا فهذا ليس أسلوبا للحل وإن كان البعض يتصوره
طريقا ناجحا في حل المشكلات، إلا أنه في الحقيقة طريقا لإثارة المشكلات
ودخول إلى دائرة مفرغة، وبينما تفرح لاعتقادك أنك حللت كل شيء، إذا بك
تفاجأ بتعقيدات لم تخطر لك على بال. وعندما تتشكل مثل هذه الدائرة المفرغة
فإن كل حركة تتحركها تغرقك في الوحل أكثر فأكثر حتى تكسر هذه الدائرة.


بينما
قام رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بحل جميع المشكلات والمعضلات بكل
سهولة ويسر دون أن يدخل داخل هذه الدائرة المفرغة ودون أن يستعمل الضغوط
والإرهاب والقوة، بل أخذ الإرادة الإنسانية الحرة بنظر الاعتبار واحترمها.
ولو أخذت هذه الناحية فقط بنظر الاعتبار دون النظر إلى حالاته الخارقة
للعادة ودون النظر إلى معجزاته العديدة لآمنت بأنه رسول من عند الله.. أجل،
إنه رسول الله لا غير.. وإلا كيف يمكنه حل كل هذه المشكلات؟ كيف كان يمكنه
هذا مع أنه نشأ في مجتمع كان يثير المشكلات لأتفه الأسباب، وتنشأ بينهم
الخصومات الدموية لأحقر الأمور وتشتعل الفتن لأهون الأشياء.. مجتمع غارق في
البداوة والضلالة والطغيان والظلام، لقد وضع الله تعالى عبء إرشاد مثل هذا
المجتمع على كاهل النبي "صلى الله عليه وسلم" . يقول القرآن الكريم:


{لَوْ
أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا
مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} (الحشر: 21). فهذه الآية تشرح كيف أن
هذه المهمة التي أعطيت للرسول "صلى الله عليه وسلم" لو أعطيت للجبال
لتصدعت من جرائها.. أجل، لقد كانت المهمة شاقة وصعبة إلى هذه الدرجة،
ولاسيما في ذلك المجتمع البدوي والبدائي الغارق في الضلالة، فتناول الرسول
"صلى الله عليه وسلم" مشاكل هذا المجتمع مشكلة مشكلة ومعضلة معضلة وبدأ
بفك عقدها وحل مصاعبها، فأوصل هذا المجتمع إلى شاطئ الاطمئنان وإلى ساحل
السلامة.


لقد
صنع من هذا المجتمع مجتمع أمن وطمأنينة إلى درجة أنك لن تستطيع رؤية مثل
ذلك المجتمع إلا في الكتب التي تصف المدن الفاضلة ككتاب أفلاطون (Platon)
«الجمهورية»، وكتاب «توماس مور (Thomas More)» «يوتوبيا» وكتاب كامبانللا
(Campanella) «مدينة الشمس»، لقد كتبت كل هذه الكتب بأمل البحث أو بدافع
الشوق إلى مجتمع مثل المجتمع الذي أنشأه الرسول "صلى الله عليه وسلم" ..
لندع هؤلاء يتجولون في أودية الخيال ولننظر إلى الرسول "صلى الله عليه
وسلم" الذي أنشأ قبل قرون مجتمعًا أزال منه الجوانب السلبية الموجودة حتى
في هذه المجتمعات المثالية والخيالية، وجعله مجتمعًا مثاليًا يبرق في
السماء بريق النجوم ليهتدي به من يأتي من بعده، فمن اهتدى بهذا النجم اهتدى
إلى الحق وملأ الاطمئنان قلبه، ونحن نرى هذه الحقيقة في أيامنا الحالية
بكل وضوح، ونفهم أن مجتمع الصحابة كان مجتمعًا حقيقيًا وواقعيا، ونطمح في
أيامنا القادمة السير نحو ذلك المجتمع النوراني.


لو
لم يقم الرسول "صلى الله عليه وسلم" بحل جميع مشاكل ومعضلات إنسان ذلك
العصر، أكان من الممكن ظهور الصحابة الذين هم فخر الإنسانية؟ كلا بالطبع.
ولكن هل كان الرسول "صلى الله عليه وسلم" يحل كل هذه المشاكل بعقله الخاص
فقط؟ كلا بالطبع. ونضيف فنقول إن الله تعالى وهب له فطنة نبوية، أي فطنة
ينورها الوحي بحيث استطاع بهذه الفطنة أن يحل جميع المشاكل بكل يسر، وهذا
من أدلة نبوته وهي منطلق بحثنا هذا. والآن لنتعرض لبعض الأمثلة في هذا
الخصوص:


أ- التحكيم حول الحجر الأسود

كان
الناس في ذلك العهد يراجعونه ليحل لهم مشاكلهم المتعددة، وعندما بدئ
بترميم الكعبة -الذي شارك فيه شخصيًا- كان وضع الحجر الأسود في مكانه مشكلة
قابلة للانفجار بين القبائل العربية قد تؤدي إلى إراقة الدماء، وكان من
الواضح أن المشكلة إن لم يتم حلها في ظرف يوم أو يومين فإن الحرب آتية دون
ريب، وكما قلنا سابقًا إن الرسول "صلى الله عليه وسلم" إن لم يحل هذه
المشكلة بوضع الحجر الأسود في مكانه بطريقة يرضى عنها الجميع؛ لنشب نزاع
دموي، وكما هو معلوم فقد وضع الحجر الأسود في ثوب ودعا زعماء القبائل إلى
الإمساك من أطرافه وحمل الحجر الأسود جماعيًا، وعندما اقتربوا من مكان
الحجر الأسود رفعه بيديه ووضعه في مكانه.


هذه الحادثة -التي لا ندخل في تفاصيلها- تبين لنا كيف أن الرسول "صلى الله عليه وسلم" كان حتى قبل نبوته صاحب فطنة كبيرة.

عندما
قام بهذا التحكيم كان عمره يتراوح بين العشرين وخمس وعشرين، أي قبل أن
يتشرف بالنبوة ويتأيد بها، وقبل اكتسابه أعماقًا أخرى وقبل انفتاح أبواب
اللانهاية أمامه وقبل بدء تلقيه الدروس من ربه. ولكن حتى قبل أن يأتيه
الوحي، كان قد احتلّ - بالإلهامات التي كانت ترد إلى قلبه - مكانة في
القلوب إلى درجة أن كفار قريش ما أن رأوه داخلًا من باب المسجد حتى هتفوا
فرحين: هذا الأمين.. رضينا.. هذا محمد» (1) جاء وحلّ تلك المشكلة.


أجل،
حل تلك المشكلة دون أن يفكر طويلًا أو ينتظر أو يأخذ رأي فلان أو علان أو
يبحث في الأمر مليا.. حلها ببساطة وكمن يسل شعرة من عجين، كان ذلك أمرًا
بسيطًا بالنسبة إليه، ولم يعترض أحد عليه، وما كان بإمكانه أن يعترض، ذلك
لأنهم عينوه حَكَمًا لهم، وقام هو بوظيفة الحكم خير قيام، دون خطأ أو تعثر
أو تردد، وأرضى الجميع.


لم
يخط في حياته خطوة إلى الوراء أبدًا، لأنه كان صاحب فطنة كبيرة يفهم ما
يُلقى إليه من ربه حق الفهم.. كانت فطنته هذه مثل برعم زهرة تفتحت، وكلما
تفتحت تلونت وابتسمت في الوجه العابس للإنسان.. هذا الإنسان المليئة حياته
بالمشاكل وبالرغبات غير المشبعة.


وقد
تتصور أن أبعاد عظمته قد انتهت، أو أنك أحطتَ بها، ولكن هيهات.. فعلى قول
الشاعر المتصوف «يونس أمره» إنه برعم في داخله براعم أخرى.


أجل،
لقد راجعه الآخرون طوال حياته السنية، ولم يَرُدّ هو أحدًا راجعه حزينًا
أو مهموما، بل قام بحل مشاكله. فمنذ البداية قام بحل مشاكل قومه الذين
كانوا مهيئين لإثارة المشاكل والفتن على الدوام.. كانوا يثيرون المشاكل،
وكان يقوم بحل تلك المشاكل واحدة تلو الأخرى.


كانت
الهجرة مشكلة قائمة بحد ذاتها.. مشاكل الحرب والنزاع والسلام، مشاكل
المنافع والمصالح المادية مشاكل الغنيمة. ولو لم يستطع الخروج من بين هذه
المشاكل، لكان من المحتم دخول قومه المحبين للجدل والنزاع والخصام في
نزاعات دموية فيما بينهم.


ب- تقسيم غنائم حُنين

وأشرنا
إلى هذه الحادثة أيضًا وإلى حكمته البالغة وبُعد نظره وفراسته المرهفة في
منع وقوع فتنة بين المسلمين وأوردنا خطابه الرائع الذي شرح لهم فيه كيف أنه
تألف بهذه الغنائم قلوب زعماء قريش وأنه وكلهم إلى إسلامهم، وأن هذه
الغنائم ليست إلا لعاعة من لعاعات الدنيا الفانية وأنهم الرابحون حقًا
لأنهم سيرجعون برسول الله "صلى الله عليه وسلم" معهم، ثم دعا لهم
ولأولادهم ولأحفادهم. ففتح ببيانه الرائع قلوبهم حتى بكوا واخضلت لحاهم
بالدموع. (2) وهذا مثال من أمثلة فراسته وفطنته وسرعة بديهته. ولا نفصل هنا
هذا الموضوع فقد سبق وأن شرحناه ببعض الإسهاب.


ج- مشكلة الهجرة

تُعد
الهجرة مشكلة على الدوام، وهي تقع في أيامنا الحالية أيضًا، (3) ونرى كيف
أن دولتنا بدأت تقاسي الأمرين من جراء هذه الهجرة، وقد أظهرتُ قلقي في عدة
خطب، وقلت إن هذه نتيجة مؤامرات تحاك في الخارج وتوضع كتمثيلية على مسرح
تركيا.. وغدًا سيفتحون بابًا للنفاق في الشرق وبابًا للشقاق في الغرب،
وفتنة في الشمال وأخرى في الجنوب، يستطيعون فتح هذه الأبواب، ذلك لأن
الكفار والظالمين ومنافقي آسيا متهيئون على الدوام لفتح أبواب الغوائل
أمامنا. وكانوا قد انتهزوا فرصة ضعفنا في السابق فأزالوا الدولة العثمانية
التي كانت عنصر توازن دولي آنذاك، ولو لم تلتجئ الأمة في النهاية إلى معاني
روحها وإلى جذور عقيدتها في معركة «شنق قلعة» وفي «حروب الاستقلال» لما
كانت هذه الأمة قائمة وموجودة اليوم، بل لتضرر العالم الإسلامي كله من هذا
الأمر، ولكن فدائيي «شنق قلعة» و«حرب الاستقلال» استطاعوا تسخير القوى
الديناميكية الموجودة في روح هذه الأمة والتي تنبع من عقيدتها ومعنوياتها
واستعانوا بالله تعالى فأنقذوا هذه الأمة من أن يكون مصيرها مثل مصير
بلغاريا أو مصير تُرْكِسْتان أو أوزبكستان أو مُنغوليا (Mongolia)... وندعو
الله تعالى أن يمكن هذه البلدان أيضًا من كسر سلسلة العبودية التي تطوق
أعناقها (4) وأن يمكنهم من محاسبة خصومهم ذلك لأن الله تعالى يقول:
{وَتِلكَ اْلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ} (آل عمران: 140). فإذا
كانت الأيام متوجهة نحو أعدائهم اليوم، فقد تدبر عنهم غدا، وقد تغشى
الابتسامة والانشراح في المستقبل هذه البلدان المظلومة البائسة.


أجل،
إن الهجرة مشكلة قائمة بذاتها وما ذكرناه باختصار عن الهجرة الحالية التي
وضعت أمة تعدادها 55 مليون نسمة وحكومتها في وضع حرج وصعب مثال واضح، غير
أن الهجرة التي حدثت آنذاك كان عدد أفرادها يكاد يقترب من عدد أهل المدينة
ولكن النبي "صلى الله عليه وسلم" استطاع بفطنته أن يجنب الذين هاجروا
سواء إلى الحبشة أو إلى المدينة من الضوائق المادية. وإضافة إلى تخطي
المتاعب الدنيوية فقد تحققت نتائج جيدة، والحقيقة أنه لا توجد هجرة في
تاريخ العالم تحققت بهذا النجاح الذي تم على يد رسول الله "صلى الله عليه
وسلم" فكيف حل الرسول "صلى الله عليه وسلم" هذه المعضلة الكبيرة؟ لنشرح
هذا بعض الشيء دون الدخول في تفاصيل كثيرة:


كانت
يثرب مدينة صغيرة يعمل أهلها في الزراعة، لذا فقد كانت سوقها في يد
اليهود، صحيح أن المهاجرين من أهل مكة كانوا يجيدون التجارة إلا أنه لم يكن
عندهم الرأسمال اللازم للتجارة؛ ومن ثم فما كان يمكنهم منافسة اليهود،
فكيف كان بإمكانهم التعامل بالتجارة وقد تركوا كل أموالهم وأملاكهم في مكة؟
ثم إن أعداد المهاجرين كانت في تزايد مستمر، وكانت نفوس أهل المدينة في
تصاعد سريع، فأين يستقر هؤلاء ومن أين يأكلون ولاسيما أن أهل المدينة
فقراء.. كانت المشاكل تتراكم وتزداد وتنتظر كلها الحلول من الرسول "صلى
الله عليه وسلم" . كان الجميع يتطلعون إليه ويثقون بقدرته على حل هذه
المشكلات جميعها، وفعلًا قام بحلها بضربة واحدة.


ما
أن حل الرسول "صلى الله عليه وسلم" في المدينة حتى آخى بين المهاجرين
والأنصار، فقد نفخ في أرواحهم روح آصرة أخوة أقوى من أخوة النسب وأبعد منها
مدى، إلى درجة أنهم توارثوا لفترة من الزمن. (5) كانت هذه الأخوة قوية إلى
درجة أن الأنصار قسموا أموالهم قسمين وأعطوا قسمًا منها إلى المهاجرين،
حتى لقد بلغت هذه الأخوة مرتبة جرت فيها هذه الحادثة التي تذهل العقول:


جاء
في رواية ينقلها البخاري أن المهاجرين عندما قدموا المدينة آخى رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" بين عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع،الذي قال
لعبدالرحمن: إني أكثر الأنصار مالًا فاقسم مالي نصفين، ولى امرأتان، فانظر
أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عِدتها فتزوجها. قال: بارك الله
لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا
ومعه فضل من أَقِط (6) وسَمْن، ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة
فقال النبي "صلى الله عليه وسلم" : «مَهْيَمْ» (7) قال: تزوجت، قال: «كم
سقتَ إليها؟» قال: نواة من ذهب. (Cool.


أي
أن عبدالرحمن بن عوف "رضي الله عنه" أسرع بالزواج حالما توفرت له فرصة
إعالة بيته، وهذا نوع من الاحترام لمشاعر الذين كان يتردد على بيوتهم،
ومثال على رهافة الحس ورقة الروح والذوق.


لاشك
أن أعظم المشكلات تذوب أمام هذه الأخوة؛ فهؤلاء المضحون الذين ارتبطوا
ببعضهم بمثل هذه الرابطة القوية كانوا هم المرشحين لفتح العالم؛ وروح
الأخوة التي كانت ترفرف في سماء المدينة سيأتي يوم تحلق فيه على أرجاء
العالم كله.


1 ـ نزاع بين الاستغناء والكرم

كان
رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جالسًا وحده فدخل عليه بعض زعماء
المهاجرين بعد الاستئذان منه.. لم يكن بينهم أحد من الأنصار، وكان هذا
جالبًا للانتباه، فلماذا أتى المهاجرون ولم يدعوا معهم أحدًا من الأنصار؟


وبعد
الاستئذان من الرسول "صلى الله عليه وسلم" عرضوا عليه ما جاءوا من أجله
فقالوا: «يا رسول الله! ما رأينا قومًا أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من
قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة (9) وأشركونا في المهنأ
(10) حتى خفنا أن يذهبوا بالأجر كله». فقال النبي "صلى الله عليه وسلم" :
«لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم» (11).


كانت
هذه هي الأخوة التي نفثها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في قلوب
أصحابه، وهذه هي الأخوة التي جعلت منهم جسدًا واحدًا، فالأنصار كانوا يحبون
أن يبقى المهاجرون في بيوتهم، لأن فراق هؤلاء الإخوة كان شيئا مؤلما ألم
الموت، فمع أنهم كانوا يلتقون بهم خمس مرات في اليوم في المسجد إلا أن
فقدانهم لهم في غرف بيوتهم وفي وجبات الطعام التي تقاسموها معهم كان يحزّ
في نفوسهم..


أجل،
كان هناك استغناء من طرف وكرم ومروءة وتضحية في الطرف الآخر وكان كلا
الطرفين يصرّ على موقفه، وأخيرا توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بأن يقوم
المهاجرون بالعمل في مزارع الأنصار مقابل أجرة، وهكذا يستطيعون إعالة
أنفسهم ويسكنون في مساكن مستقلة بهم ولا يبقون تحت منة أحد، وهكذا ساعد
الأنصار المهاجرين باستخدامهم في العملن وهكذا حل الرسول "صلى الله عليه
وسلم" مشكلة الهجرة على نطاق كبير بشعور الأخوة الذي أسسه في المدينة
(12).


وكانت
المشكلة الثانية التي حلها هي التجارة، فقد رأى الرسول "صلى الله عليه
وسلم" أن اليهود هم المسيطرون على الحياة التجارية في المدينة، فأصدر أمره
بتأسيس سوق للمسلمين في مكان آخر (13) لكي يتعاطى المسلمون عمليات البيع
والشراء فيما بينهم في سوقهم الخاصة بهم من أجل أن يدخل المسلمون إلى عالم
التجارة ويزدادوا قدرة وقوة ويؤسسوا محالهم التجارية الخاصة بهم ويقضوا على
هيمنة غير المسلمين على السوق.


أسست
سوق جديدة وبدأ المسلمون يتعاطون البيع والشراء فيما بينهم فنرى كتاب
المغازي ينقلون بأنه لم يمر وقت طويل حتى عجز اليهود عن مواصلة التجارة في
المدينة المنورة. أجل، فلم يعد باستطاعة أحد منافسة المسلمين تجاريًا في
سوق المسلمين. وهذا ما كان الله تعالى يريده.. فالله تعالى لا يريد من
المسلمين أن يكونوا تابعين لأحد.. إن الله لا يرضى لنا أن ننتظر الأوامر
الصادرة من الآخرين ولا أن نلتجئ للآخرين ونرجو منهم أن يحلوا لنا مشاكلنا
ونستعطفهم قائلين: نرجو ونتوسل منكم أن تحلوا لنا المشكلة الفلانية.. هذا
لا يرضاه لنا، يجب أن يكون المؤمن عزيز الجانب واقفًا على قدميه ينجز
أعماله بيده ويحل بنفسه مشاكله، ويرى بعينه لا بعيون الآخرين ويعيش حسب
معتقداته ويحافظ على أصالته.. وهذا ما أسسه الرسول "صلى الله عليه وسلم"
في المدينة.


2 ـ أول دستور

ما
أن وصل الرسول "صلى الله عليه وسلم" المدينة حتى نشر بيانًا (14). ويطلق
المتخصصون في القانون اسم «دستور رسول الله "صلى الله عليه وسلم" » على
هذا البيان الذي أعلنه بعد وصوله إلى المدينة بوقت قصير. ففي هذا البيان أو
هذه المعاهدة نرى وجود أسس معظم ما جاء في بيان حقوق الإنسان وفي «فرمان
التنظيمات» عندنا. فالحقوق التي تعهد بها للمسيحيين واليهود ساعدت على
إرساء وحدة بين أهل المدينة وقربهم إليه وأبعدهم عن خصومه من البيزنطيين
والساسانيين والقرشيين. لذا، عاش اليهود مدة تحت جناح المسلمين بكل اطمئنان
وراحة وأمن. وقد عبر المنافق المعروف عبدالله بن أُبَيّ بن سَلول عن قلقه
أمام قريش فقال إنه لا يخشى قيام الرسول "صلى الله عليه وسلم" بنشر دينه
في المدينة. ولكن الخطر هو قيامه بجذب اليهود والنصارى إلى جانبه وضد
المشركين.


وقد
أصبحت هذه المعاهدة أو هذا البيان أو الدستور مدة طويلة سببًا في إرساء
الصلح والأمن بين المسلمين واليهود حتى نقضها اليهود. وكان اليهود يراجعون
الرسول "صلى الله عليه وسلم" ويرضون به حكمًا.


أجل،
إن كتب الحديث تبين لنا أنهم راجعوه في قضايا السرقة والقصاص والزنا،
ونعلم من هذا أن المسلمين وإن أوكلوا شؤون اليهود إليهم وجعلوهم أحرارًا
فيها إلا أن اليهود كانوا يرون في المسلم ولاسيما إن كان هذا رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" عدالة أكثر وقابلية أكثر، لذا كانوا يراجعونه
ويجعلونه حكمًا في كل مسألة. وهذا المصدر والنبع القدسي الذي سيصبح في
المستقبل مرجع الإنسانية كلها كان قد أثبت مرجعيته بدءًا من تلك الأيام.


وهكذا حل الرسول "صلى الله عليه وسلم" مشكلة الهجرة بضربة واحدة ليتفرغ المسلمون للتوجه نحو العالم أجمع باطمئنان قلب.

ــــــــــــــــــــــــــ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mazika.alhamuntada.com
 
صاحب الفراسة المتنورة بالوحي (1-2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الدفاع عن التاريخ  :: السيرة العطرة المشرقة :: السيرة العطرة المشرقة-
انتقل الى: