فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق
حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون
( محمد رسول الله )
قليل من الفتيات من يجمعن بين العظمة والزهد والإنابة إلى الله , وأقل القليل منهن من يضفن إلى ذلك التقشف في الدنيا ـ مع تدللها عند والديها ـ
وهكذا كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم , ورضي الله عنها ,
فرغم أنها كانت صغرى بنات أبيها , وختمت بها أمها أولادها وهي في قمة
ثرائها ـ حيث ولدت قبيل بعثة رسول الله , وهي الفترة التي لم يكن فيها
رسول الله قد انشغل بدعوته عن التجارة في أموالها ـ إلا أن حياتها كانت
بعيدة عن الترف مليئة بالجد والجهد .
شهدت أباها يُضطهد في دعوته فصبرت ـ بعد أن قال لها صلى الله عليه وسلم : إنا الله مانع أباك ـ وشهدته أمينا على الدولة الإسلامية , بعد
قيامها واتساع أطرافها , تأتيه الأموال كل حين , فينفقها كلها في سبيل
الله , لا يخصها بشيء فعفت ـ بعد أن أخبرها أن هناك من المسلمين من هم أحوج
إلى المال منها فرضيت وعفت .
قال لها علي ذات يوم : والله
لقد سنوت ( سقيت بالدلو ) حتى اشتكيت صدري , وقد جاء الله أباك بسبي ,
فاذهبي فاستخدميه ( أي اسأليه أن يعطينا خادما ) فقالت : وأنا والله قد
طحنت حتى مجلت يداي , فأتت النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : ما جاء بك يا بنية ؟ قالت : جئت لأسلم عليك , واستحيت أن تسأله ..
فأتياه جميعا , فقال علي : والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري , وقالت فاطمة : قد طحنت حتى مجلت يداي , وقد أتى الله بسبي وسعة , فأخدمنا ( أعطنا خادما ) قال : والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة , تطوى بطونهم , لا أجد ما أنفق عليهم , ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم .
فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما , إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما
, وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما , فثارا ( هما بالقيام ) فقال :
مكانكما ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ فقالا : بلى . فقال : كلمات
علمنيهن جبريل , تسبحان في دبر كل صلاة عشرا , وتحمدان عشرا , وتكبران عشرا
, وإذا أويتما إلى فراشكما , فسبحا ثلاثا وثلاثين , واحمدا ثلاثا وثلاثين ,
وكبرا أربعا وثلاثين .
ورضيت فاطمة بذلك , وحافظ على ذكرها علي , حتى إنه قال : " فما تركتها إلا ليلة صفين , وبالطبع كانت فاطمة كذلك .
ولم يزدها ذلك إلا برا بأبيها , ومحبة لهوطاعة له , ذكر ابن سعد في طبقاته أنها جاءت إليه صلى الله عليه وسلم يوما بكسرة خبز , فقال : ما هذه الكسرة يا فاطمة ؟ قالت : قرص خبزته , فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة .
وذكر أيضا عن علي رضي الله عنه أنه قال :بتنا ليلة بغير عشاء , فأصبحت فخرجت , ثم رجعت إلى فاطمة وهي محزونة فقلت : مالك, فقالت : لم نتعش البارحة , ولم نتغد اليوم , وليس عندنا عشاء , فخرجت فالتمست , فأصبت ما اشتريت به طعاما ولحما , ثم أتيتها به فخبزت وطبخت , فلما فرغت من إنضاج القدر قالت لوأتيت أبي فدعوته .."
وعاشت صابرة على حال زوجها , وشاركته
في تحمل أعباء الحياة , يقول علي رضي الله عنه : "لقد تزوجت فاطمة ومالى
فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل , ونعلف عليه دابتنا بالنهار , ومالى
خدم غيرها" وكانت أمه تكفيها الخدمة خارج البيت ؛ لأنها لا تخرج كثيرا ,
وتقوم هي بأعباء البيت بالداخل من العجن والخبز حتى ماتت.
وأتى عليها من الأيام ما لم تجد فيه ما تلبسه فعفت وقنعت , فقد روي
عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال : كانت لي من رسول الله صلى الله
عليه وسلم منزلة وجاه , فقال يا عمران :.., هل لك في عيادة فاطمة بنت
الرسول ؟ فقلتُ : نعم ..،
فقرع الباب وقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فقالت : اُدخل يا رسول الله , قال
لها : ومن معي ؟ قالت : ومن معك يا رسول الله ؟ فقال : عمران بين حصين ,
فقالت : والذي بعثك بالحق نبيا ما على إلا عباءة , فقال : اصنعى بها هكذا
وهكذا , وأشار بيده ، فقالت : هذا جسدى , فقد واريته , فكيف برأسي ؟ فألقى
إليها ملاءة كانت عليه , فقال : شدى بها على رأسك .
ثم أذنت له فدخل ، فقال : السلام عليكم يا بنتاه , كيف أصبحت ؟ قالت : أصبحت والله وجعة , وزادني وجعا على ما بي أني لست أقدر على طعامآكله
, فقد أجهدني الجوع , فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال : لا
تجزعي يا بنتاه , فو الله ما ذقت طعاما منذ ثلاث , وإني لأكرم على الله منك
, ولو سألت ربى لأطعمني ؛ لكني آثرت الآخرة على الدنيا.
فاستحقت
بذلك أن يختارها الله من بين نساء العالمين , يقول النبي صلى الله عليه
وسلم :" حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران , وخديجة بنت خويلد , وفاطمة
بنت محمد , وآسية امرأة فرعون " وأحسب أنه صلى الله عليه وسلم ما قال : حسبك
إلا ليبين أن الفتاة المسلمة , والمرأة المسلمة العاقلة , التي تريد ما
عند الله لا ينبغي أن تقلد أو حتى تنبهر بأي امرأة من نساء الدنيا غير
هؤلاء , مهما ظهر عند الأخريات من مال أو جمال أو جاه ؛ لأن هذه الأشياء
كالطعام الذي ينفد أويفسد بمرور الأيام عليه مهما حاولنا حفظه .
وأعلمُ أن ثمة الكثير والكثير من النساء والفتيات في العصر الحديث
يطمعن أن ينلن من الشرف مثل ما نالته فاطمة رضي الله عنها , وهذا لا يتأتى
لهن إلا إذا سرن على دربها , واقتدين بها في مظاهر حياتها , تلك الحياة
التي بلغت بها منزلة السيادة قبل أن تبلغه بنسبها , وكيف لا ورسول الله كان يحثها على مداومة العمل الصالح دون تفاخر بنسبها ويقول : " يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا " .
وأقول للباحثات عن المجد من نساء اليوم:
هذه فاطمة ـ سيدة نساء العالمين ـ أمينةٌ على بيتها , منيبة لربها ,
مستجيبة لأمر نبيها , معظمة لحق زوجها , تجُّر الرحى بيدها , وتحمل القربة
للسقاية على ظهرها , حتى تركتا آثارا , وعلامات على كفها ونحرها , نظفت
بيتها , وأوقدت تحت القدر بنفسها , حتى اغبرت, وجاعت فصبرت , وملكت فجادت وأعطت , فلا تستنكف الواحدة منكن من القيام على أمر بيتها , ولا تتكاسل عن أمر نبيها , ولا تتهاون في أمر دينها , إن طمعت أن تكون مثلها .
(المصدر : إدارة الموقع )