Admin Admin
عدد المساهمات : 367 نقاط : 14958 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 09/04/2012 العمر : 31 الموقع : فلسطين
| موضوع: الحريم في العقل الغربي الأحد 15 أبريل - 4:58:28 | |
|
الحريم في العقل الغربي يغدو الشرق مؤنثًا، كائنًا مستكينًا معرضًا لنزوات الذكر بضمن اقتصاد قصصي مستنبط من إعادة ترتيب الثنائيات الجنسية، على سبيل خدمة التمييز الرئيس بين الشرق والغرب، إذًا، يقوم اندفاع القصة بتفعيل عملية استعمار الشرق، حيث يخترق الأنا المذكر، الأوروبي الاستحواذي، فضاء الشرق المؤنث. وهكذا تصبح الهيمنة على الآخر المؤنث المحجب صورة من صور خضوع الشرق للمبدأ الغربي، (إرك ميّر)، «الاستشراق الرومانسي في عين الآخر» بناء على معطيات عصرنا الحالي الزاخر بأفكار العولمة والإصلاحات وتحرير المرأة، يتوجب التنقيب في المفاهيم الخاطئة التي طورها الغرب حول المرأة الشرقية، والعربية المسلمة على نحو خاص، عبر تحليًل دلالات «الحريم» Harem، لفظًا وفكرة، بالنسبة للعقل الغربي. وعليه فإننا نرصد ونتفحص مجموعة من الإعلانات الثقافية والأدبية التي تعكس الكيفية التي بوساطتها تمت عملية تجاوز دلالات اللفظ العربية الأصلية على سبيل إضفاء هالة من المعاني الاجتماعية والتاريخية عليه، من أجل الترويج لموقف ثقافي غربي متعال وشمولي، موقف لا يندب وضع المرأة في مجتمعاتنا فحسب، بل يعبر كذلك عن شعور غربي زاخر بأحاسيس القوة والتفوق الوسواسية إزاء شرق كان يبدو للعقل الغربي كينونة مؤنثة سالبة. ** مفهوم «الحريم» في العقل الغربي الـ«حريم»(1) لفظ عربي استعارته أدبيات الاستشراق منذ بداياتها، إذ عمد الكتّاب الخياليون والشعراء إلى توظيفه بكثافة، الأمر الذي أدى إلى توسيع دلالاته إلى حد نسف المعنى العربي الأصلي على سبيل عكس أفكار خاطئة وتمثيلات مشوهة كانت قد استقرت في قعر العقل الغربي منذ بداية وعيه بالإسلام وبالعرب إبان عصر الفتوحات الإسلامية المبكرة. وبعد أن تم ضم اللفظ (كلمة مستعارة) إلى اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأوروبية، أخذت دلالاته توظف عمومًا لتأشير حال النساء المسلمات تحت ظل ما يحلو لأدبيات الاستشراق أن تطلق عليه، تعسفًا، تعبير «مؤسسة» تعدد الزوجات. وعليه فإن اللفظ يسهم في تشكيل صورة شديدة التشويه والضبابية للحياة الاجتماعية الإسلامية من خلال بلورة مفهوم دوني للمرأة الشرقية، وبضمن هذا الاتجاه، لاحظ الأستاذ الراحل إدوارد سعيد مؤخرًا ميلاً تحجيميًا يشوب الفكر الغربي، ويتجسد في تمسكه بعدد من الأفكار المتكررة والأنماط الإيحائية كالحريم، فيقول، محقًا: «يمكن تشخيص الإسلام على نحو لامحدود بتوسل أنماط (أكليشيهات) معدودة، تعميمية على نحو لا مبال، وهي منتشرة بشكل متكرر».(2) يكمن هذا التعميم، على الرغم من اتصافه بالتسرع، على إغراء لا يقاوم، خصوصًا عندما يتناول المرء هذه الكلمة المستعارة و«المضخمة» دلاليًا التي لا تترادف مع فكرة «المرأة الحبيسة»فقط، بل كذلك مع صور قسرها وضربها وبؤسها بداخل نظام عائلي واجتماعي يبدو للناظر الغربي نظامًا «طاغيًا» مفتقرًا إلى الإنسانية. إن أية مراجعة، بغض النظر عن عجالتها، لتاريخ التأريخ الأوروبي للإسلام، بوصفه دينًا جديدًا نسبيًا (مقارنة باليهودية والمسيحية) ميالاً للتحدي،(3) لن تخفق قط في إماطة اللثام عن الكيفية التي تم من خلالها دمج «الحريم»، فكرة ومفهومًا، في كل نشاط ذهني أو إبداعي حول العرب والمسلمين، هؤلاء الذين تعمدت أدبيات الاستشراق إطلاق لفظ «محمديين» عليهم. ** ألف ليلة وليلة: اختلاط الحقيقة بالخيال وككلمة اكتسبت قيمة مفهومية «فوق نصّية»، تستثير «الحريم» انطباعًا سلبيًا في العقل الغربي، مستحضرة قائمة طويلة من الممارسات من نوع تعدد الزيجات واتخاذ المحظيات والطلاق وضرب الزوجات والحجر على النسوة، وما يسمى بـ«سراي» الحريم الخاص بالسلطان وبالمتنفذين وغيرها، تزحف على نحو تلقائي إلى العقل الغربي في اللحظة التي تنطق بها كلمة «حريم». ومن ناحية أخرى، تستقطب هذه الكلمة دلالات إضافية، إذ توحي بانطباع منمط غير واقعي يتجسد في عالم شرقي لازمني يطفو هائمًا بلا هدف فوق محيط متلاطم بالحسية، ويعج بالطغاة وبالخليلات وبالمخنثين والغلمان، من بين شخصيات شاذة أخرى دأبت على مداعبة الخيال الغربي منذ ترجمة ألف ليلة وليلة، أو كتاب الليالي العربية Arabian Nights، كما يفضلون تسميته. ولتأشير هذا الانطباع الذي لا يفلت العقل الغربي من توصيله بالعالم الإسلامي، يمكن للمرء أن يستذكر ما كان «واشنطن إرفنغ»Irving يتوقعه عند مشاهدته سفير الدولة العثمانية في برشلونة عام 1844م، إذ كتب إلى أحد أصدقائه يصف المشهد : «كنا نتوقع رجلاً شرقيًا ومسرحيًا برداء موشح بالفرو، وغليون طويل،ولحية وشاربين عملاقين، وثلة من الزوجات ورهط من العبيد السود»(4). هكذا كان يتم تصوير المرأة الشرقية المسلمة في الأدبيات الرومانسية وغير الرومانسية بوصفها مخلوقًا محجمًا مستكينًا لا حول له ولا قوة، مخلوق ينتمي إلى«حريم» أحد الرجال الأثرياء أو المتنفذين. إذا ما اتفقنا مع توكيد الأستاذ إدوارد سعيد على فكرة إن المعرفة هي القوة، في سياق تحليله لآليات العقل الاستشراقي، فإننا سنتمكن من إدراك دوافع الرغبة القوية لمعرفة المزيد عن أحوال النساء المسلمات، لأن هذه الرغبة تتواشج بقوة مع التطلعات الأوروبية لغرض اكتشاف نقاط ضعف المجتمعات والأمم المستهدفة بالاستغلال، وكما كانت عليه الحال مع تعمد بريطانيا لجم عادة حرق الأرامل (ساتي) Sutee في الهند(5)، فقد حاول المشروع الاستعماري التمسك بفكرة «تحرير» النساء المسلمات كوسيلة لتبرير طرائق التاج الإمبراطوري نحو المسلمين. أنه لمن الملفت للنظر أن نلاحظ أن هذه «التحررية البريئة»، كما تبدو على السطح، كانت هاجسًا هيمن على المنقبين الآثاريين الغربيين الوافدين إلى الأقاليم الشرقية، برغم ما كان يبدو عليهم من موضوعية وعدم تحامل. ففي كتابه «نينوى وبقاياها» 1849م، خط «ليّارد» Layard هذا النوع من السلطوية التي منحها لنفسه على نحو لا واع، قائلاً: عندما استخدمت العرب لأول مرة، كانت النساء يقاسين سوء معاملة فظيعة، إذ كن يواجهن صعوبات بالغة. وقد حاولت أن أدخل نوعًا من الإصلاح على ترتيباتهن المنزلية، إضافة إلى أني أوقعت أشد العقوبات على هؤلاء الذين يوقعون العقوبات البدنية بنسا ئهم. (6) ولكي ندرك ظاهرة تقديم الخيالي على الواقعي في الذهنية الغربية، علينا أن نلاحظ اختلاط صورة المرأة في كتاب ألف ليلة وليلة، الذي صار«أكثر الكتب شيوعًا في العالم»(7) كما وصفه الشاعر «لي هنت» Hunt ، منجمًا لا ينضب من التصويرات الخاطئة والأفكار المتوارثة حول المرأة الشرقية وأحوالها. لقد عمق هذا الكتاب مثل هذه المفاهيم على الرغم من أنه عمل فولكلوري زاخر بحكايات شعبية نصف أسطورية لا يمكن إلاّ أن يعكس الحياة المترفة لقلة من الأغنياء والسلاطين في العالم الإسلامي إبان العصر الوسيط. لقد تم استقبال الترجمة المبكرة لليالي العربية المعروفة بـ Grub Street، بما حملته من حكايات تأسر الخيال عن نساء شبقات ورجال قساة من النوع الذي سكن منظومة «شهرزاد - شهريار» الساحرة، بحماس كبير بل ومنقطع النظير في أوروبا من قبل الصفوة المثقفة وجمهور القرّاء عامة. وإذ تبعت هذه الترجمة أعداد كبيرة من محاولات المحاكاة أو محاولات صياغة حكاياتها بضمن مهاد أوروبي، فإن الليالي العربية بقيت تشيع فكرة الإساءة للمرأة الشرقية في عالم شرقي لا حدود له من الملذات المثيرة للخيال وللشجون. ولكن بالنسبة للقرّاء الأكثر عمقًا فكريًا، برز هذا الكتاب كوثيقة اجتماعية تدعو للدراسة والتحليل. ولسوء الحظ، لم يفعل هؤلاء من نقّاد الليالي شيئًا سوى تعميق الانطباعات الموروثة والمختزنة التي دأب الغربيون على الارتجاع إليها للاغتراف من منبع الخيالات الفنطازية الذي لا ينضب. وبغض النظر عن دوافعهم الموضوعية وآرائهم التصحيحية حول الليالي، وثيقة اجتماعية، ينبغي مباشرة هؤلاء النقاد على نحو جاد، ذلك أنهم كانوا، في حقيقة الحال، يستجيبون للأفكار الشائعة التي تشبثت ثقافتهم بأذيالها. وعليه يمكن لمقالاتهم (التي نشرت في اكثر دوريات ذلك العصر الانتقالي شيوعًا) أن تؤشر، إلى حد ما، الأفكار المتوارثة التي احتضنها جمهور القرّاء في تلك الفترة. بيد أن تعليقات كتلك التي خطها «وولتر باجت» Bagehot في دراسته المعنونة«أناس الليالي العربية»National Review, 1809، أو كتلك التي كتبها «ريتشارد بيرتن» في «المرأة» (بضمن «المقالة الختامية» Terminal Essay ، 1886م) بقيت أسيرة ذات المفاهيم الخاطئة بدلاً من التحرر منها أو دحضها. يتعمد «باجت» قلب ما يسميه بـ«عزل النساء» في العالم الإسلامي ليكون ذريعة لما يعده «عالمين منفصلين»: عالمان يتعايشان بداخل المجتمع الإسلامي، الأول هو عالم الرجال والثاني هو عالم النساء. ثم ما يلبث أن يؤكد من جديد «الحياة المستقلة» الكريمة التي تتمتع بها النسوة بداخل عالمهن المغلق(. وبهدف إعادة تركيب الأفكار الشعبية الشائعة في أوروبا يقول باجت إن «الزوجة الواحدة مثلت الشكل الاعتيادي للحياة المنزلية في الشرق؛ بينما كان تعدد الزوجات، وحتى الاقتران باثنتين، هي الحال الاستثنائية»(9). ولكن كخلاصة نهائية، تخفق آراء باجت في إزالة المفاهيم المتوارثة لأنها تعجز عن إيضاح وتقديم الموقف الإسلامي الحقيقي الأصلي حيال المرأة وحقوقها، كما إنها تتجاوز الفلسفة الكامنة خلفه، تلك الفلسفة التي سمحت بالزواج لأكثر من مرة على نحو عقلاني ومشروط. ولهذا يباشر باجت وضع النساء الشرقيات، الذي صار مثارًا للكثير من الجدل. «مما لا ريب فيه هو أن الفكرة الشائعة حول اللامبالاة الواضحة والعزل الاستعبادي لحياة الحريم، إنما تعرضت لمبالغة كبيرة بسبب ما يسود بيننا من أفكار خاطئة حول موضوع آليات تعدد الزوجات ومدياته الحقيقية بين المحمديين ... فلم تزل الفكرة الموروثة سائدة في إمكانية امتلاك المسلم عددًا من الشقق، حيث يحتفظ بداخلها بزوجتين أو ثلاث، وبعدد من الجواري اللائي يترقبن المحظية التي سيرمي بمنديله إليها، إضافة إلى الفكرة التي تفيد بأن جميع النساء الشرقيات هن جوار معرضات للإذلال على نحو منظم، زيادة على الاعتقاد بأنهن محرومات من دخول الجنة على نحو مؤكد. ولأن عشقنا لـ(الليالي العربية) عجز عن خلق انطباعات أكثر واقعية، فإن علة ذلك تكمن في أن هذه الحكايات تركز بشكل واسع على الحياة الخاصة بالأمراء الذين تنطبق هذه المواصفات على حياتهم بشكل دقيق».(10) وتنطبق دلالات هذا الخط «التوفيقي» في التفكير (الذي يؤول إلى تعميق التشويه بدلاً من إزالته أو تصحيحه) على تعامل ريتشارد بيرتن Burton مع هذا الموضوع الحساس كذلك، حيث تتجلى نياته في تشويه الإسلام وفي التحامل الواضح على نبيه محمد [. فبينما يستهل بيرتن مقالته باحتجاج مضاد للمفاهيم الغربية الموروثة حول المرأة المسلمة(11) فإنه ما يلبث، أن ينتقل فجأة إلى استحضار بعض الأحاديث النبوية الشريفة، مجتزأة من سياقها التاريخي والاجتماعي الأصلي، على سبيل اختلاق الانطباع المتمثل في أن الإسلام بطبيعته يحط من شأن المرأة، مجسدًا هذا «الوضع» بوصفه عنصرًا جوهريًا من عناصر هذا الدين(12). ومما يثير الاهتمام في «المقالة الختامية»، التي كتبها بيرتن بعد قضائه حوالي ثلاثة عقود في ترجمة ألف ليلة وليلة،هو نقده ل«هاريّت مارتنو» Martineau وأحاسيسها بـ«الملذات والرأفة والحزن عند رؤيتها للنساء الشرقيات»(13). إنه لا يدّعي، كما هي الحال مع باجت، بأن الجمهور الغربي يبالغ في تصور «مؤسسة تعدد الزوجات»، ولكنه يميل إلى إعادة تأكيدها بوصفها ـ بحسب رأيه ـ تقليدًا اجتماعيًا ضروريًا في الشرق، ممتدحا الموقع الأبوي للزوج الذي ينبغي أن يفوز «بعشق ومحبة أكثر من زوجة واحدة (14). وتوافقًا مع دراسته المطولة للإسلام كنظام اجتماعي، فانه يعمد إلى إحالة الإقلال من شأن المرأة في الشرق إلى طبيعة الإنسان الشرقي ـ من وجهة نظر إنثروبولوجية ـ وإلى افتقار هذا الإنسان لسجية العقلنة مقارنة بالإنسان الغربي(15 | |
|