بقلم: الأستاذة إيمان الوزير
في
عصر تجلت فيه شمس الإسلام باسقة...تجوب الأصقاع وترافق الحشود المؤمنة
لنشر دين الله ... تضحك فرحة مستبشرة وهي ترى أشعتها ساطعة من برقة غرباً
إلى سيحون شرقاً ... والأصوات المجاهدة تنشد بالحق ليصل الصوت إلى مدينة
رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتشمخ بعز من بارئها وسيف ذي النورين يقود
أمة التوحيد ...يزيدها وهجاً بنوره ومطايا الخير الذي حمله حين سقى
المسلمين من بئر رومة وجهز جيش العسرة ...
لكن
هذه الشمس الشامخة غابت في أواخر عهده ..حين اعترضتها غيوم سوداء أمطرت
سجيلاً على الجموع المسلمة فاختلط الحابل بالنابل.. ولم تكن أعين يهود
بعيدة عن تلك الغيمة فقد كانوا ـ لعنهم الله ـ سبباً في إشعالها ...حين حرك
ابن سبأ خيوط المؤامرة من وراء الأستار ـ كعادتهم ـ وعاث في الجموع من
وراء حجاب يبطن الشرّ ويظهر الولاء ...حتى وصلت الغيوم السوداء إلى سماء
مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتفرغ حمولتها في فتنة شعواء عصفت بأمة
الإسلام ردحاً من الزمان ....
حاول
ذو النورين رضي الله عنه منع غبار النقع الأسود من الالتفاف حول شمس
الإسلام لكن جموع الغوغاء من ضعاف النفوس المحاصرين لداره أبت إلا صب النار
على الهجير..
في
دار عثمان بن عفان كانت تسكن امرأة من بني كلب..أحد أشهر بطون العرب في
الفصاحة والبلاغة.. ولم تكن فصاحة قومها تقتصر على رجالهم بل شملت نسائهم
أيضاً.. خطبها عثمان رضي الله عنه فحملها أهلها له ، وحين اجتمع بها رفع
قلنسوته عن رأسه فظهر الصلع فيه فقال لها : يا بنت الفرافصة، لا يهولنك ما
ترين من صلعي ! فإن تحته ما تحبين. فأمسكت عن الكلام .. فبادرها بقوله :
إما تقومي إلي، وإما أن أقوم إليك.. فقالت : أما ما ذكرت من الصلع فإني من
نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع، وأما قولك: إما أن تقومي إلي، وإما
أن أقوم إليك، فوالله إن ما تجشمته من قطع الصحراء الواسعة والسفر الطويل،
لأبعد مما بيني وبينك، بل أقوم إليك.
فقامت
وجلست إلى جواره..فمسح على رأسها ودعا لها بالبركة ، فبوركت بفضل من الله
عز وجل.. فقد جعل كرم عثمان وحنانه في قلبها مودة ورحمة له.. تهبها المرأة
المسلمة لزوجها حين يزرع الزوج نبتة الحب في قلبها ..
أنجبت
نائلة بنت الفرافصة لعثمان بنتاً وقيل بنتاً وولداً ... وكانت له طيلة
حياتها معه الزوجة المطيعة الحانية..حتى وصل الطوفان إلى المدينة قادماً من
البصرة والفسطاط.. يحمل معه آلافاً من الغوغاء الذين تأبطوا الشر بسيوفهم
يريدون قتل الخليفة عثمان بن عفان ...فحاصروا بيته ونائلة معه تشد من
عزيمته وتؤنس وحدته..
حتى
إذا خشي الرعاع من المحاصرين قدوم جيش من الشام لإنقاذ الخليفة المحاصر..
قفزوا على داره لا يألون لبيته حرمة ولا لصحبته مكانة ولا لفضائله ذكراً في
نفوسهم الآثمة فقرروا قتله وهو صائم يقرأ القرآن ...عندها أرادت نائلة أن
تمنع دخولهم إلى حرمة منزلها فنشرت شعرها ظناً منها أن في قلوبهم بضعاً من
إيمان وغض طرف يصون عليهم دينهم ..لكن عثمان رضي الله عنه منعها في قوله
لها : خذي خماركِ فلعمري لدخولهم عليّ أهون من حرمة شعرك ...فلم يكن من
نائلة وهي ترى السيوف تقترب من زوجها الحبيب إلا وضع يديها لتتقي السيف عن
عثمان فقطع السيف أصابعها ومضى في بطن الخليفة الراشدي الثالث.. وزوجته
تحاول صد السيوف عن جسده حتى قتل..
فخرجت نائلة تجمع شعث همومها في موكب دفنه عند أطراف البقيع حيث وري الثرى رضي الله عنه وأرضاه وكفاه ببطشه ما فعلته الغوغاء فيه.
لا
أود الخوض في حديث الفتنة الكبرى هنا رغم أنها أم الفتن التي انهالت على
أمة الإسلام حتى يومنا هذا ولكني أردت أن أبحث في موقف امرأة لم تكن من
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ولكنها نهلت من معين أحد صحابته
كزوجة لعثمان وحبيبة له ...كانت بجانبه يوم شدته ودافعت عنه بجسدها حتى
قطعت أصابعها..لأقف بكم أيها القراء الأعزاء أمام صورة لحب قلّ نظيره في
زماننا بل ووفاء نادرٍ لزوج حبيب بقي خالداً في ذكرى نائلة بنت الفرافصة..
إذ بعد وفاة عثمان خطبها معاوية بن أبي سفيان فرفضته وقالت حين سئلت عن سبب
رفضها قولاً شهيراً : إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب ، وإني خفت أن
يبلى حزني على عثمان فيطلع مني رجل على ما اطلع عثمان وذلك مالا يكون
أبداً..
فأين
نحن من نائلة بنت الفرافصة تلميذة مدرسة عثمان بن عفان..التي تعلمت فيها
حب الزوج حين أحبها فوهبته حياتها حياً وميتاً.. ودافعت عنه بجسدها حين
داهمه الخطر..
لن
أقول في قصة نائلة : أيتها المرأة المسلمة أحبي زوجك ليحبك !!!! ولكني
سأوجه خطابي للرجل فأقول له : يا أيها الرجل أحبّ زوجتك لتحبك وتعطيك ماء
عينيها..
رحم الله عثمان بما أحب نائلة .. ورحم الله نائلة في إخلاصها لعثمان .