نشأ مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري (156-236) بالمدينة ، وسكن بغداد ، وكان والده أميراً على اليمن .
سمع أباه ، ومالك بن أنس ، وإبراهيم بن سعد ، وعبدالعزيز الدراوردي ، وهشام بن عبدا لله المخزومي ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم.
وحدث عن ابن ماجة ، والنسائي بواسطة ، وابن أخيه الزبير بن بكار القاضي ،
وأبو يعلى الموصلي، وأبو القاسم البغوي، وموسى بن هارون ، وأبوالعباس
السراج ، ومسلم خارج الصحيح ، وأبو داود خارج السنن ، ويعقوب ابن أبي شيبة ،
وأبو خيثمة ، وابنه أبوبكر.
قال عنه الإمام أحمد: ( مصعب الزبيري ثبت ). ووثقه ابن معين وقال : ( إنه
عالم بالنسب ) ، وقال العباس بن مصعب : (أدركته ، وهو أفقه قرشي في النسب) ،
وقال أبو زرعة الدمشقي : ( لقيته بالعراق وكان فاضلاً ) ، وقال الدارا
قطني : ( ثقة) ، وقال ابن أخيه الزبير بن بكار : ( كان أوجه قريش مروءة
وعلماً وشرفاً وبياناً) ، وقد ذكره ابن حبان الثقات.
قال الذهبي : ( كان صدوقاً عالياً أخبارياً كبير المحل ، وقد تكلم فيه
لوقفه في القرآن) ، قال أبوبكر المروزي : ( كان من الواقفة ) ، وقال الحسين
بن فهم : ( كان مصعب إذا سئل عن القرآن يقف ويعيب من لا يقف) ، وقد توفي
ببغداد في شوال سنة 236هـ ، وهو ابن ثمانين سنة.
وقد كتب مصعب الزبيري كتابين في النسب هما: ( كتاب النسب الكبير وكتاب نسب
قريش). فأما الأول: فلا نعلم شيئاً عن وجوده ، ولعله كان شاملاً للأنساب
العربية كما يظهر من عنوانه ، أما كتابه الثاني : فقد خصصه في نسب قريش.
وهو مطبوع.
كتاب نسب قريش :
ومنهج مصعب في كتابه نسب قريش ، هو إيراد الأنساب والأخبار غير مسندة على
خلاف عادة المؤلفين في تلك الفترة ، وقد نص على بعض مصادره وبعضها اكتفى
بالإشارة إليه بمثل قوله : (ذكر عن … ) (وقال بعضهم) (ويقولون) (وقال بعض
من يعلم)، و(خزاعة تقول) (وقد قالوا) و (يحدث عن …) – بالبناء للمجهول –.
أما غالب معلوماته فيبتدئه بدون الإشارة إلى مصدر معين أو مجهول ، كما أنه
يستشهد بالشعر ، ويجعله دليلاً في بعض ما يذهب إليه من رأي في الأنساب ،
ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولكن بقلة. كما أنه يستعمل
عبارات تدل على شكه في صحة المعلومات التي يوردها مثل قوله : (وزوروا في
ذلك شعراً) وقوله : (وأحدثوا هذا الشعر) و (يزعمون) و (زعموا).
وقد رتب كتابه على الأنساب ، فبدأ بذكر نسب معد بن عدنان ، وساقه إلى
إبراهيم الخليل عليه السلام ، ثم رفعه إلى آدم عليه السلام ، ثم تتبع من
فروع عدنان أجداد قريش ، خزيمة ، وكنانة ، والنضر ، وفهر ، وقصي ، وعبد
مناف ، إلى عبدالمطلب ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر أبناء
النبي وبناته وما تفرع عنهن.
ثم عاد إلى نسب أولاد عبد المطلب ، فبدأ بالعباس ثم أبو طالب وأولاده : علي
، وجعفر ، وعقيل ، ثم ولد الحارث .. إلخ ، ثم ساق بقية فروع قريش حسب
قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر الخلفاء الراشدين
وأولادهم وبقية نسلهم في أول ذكره قبائلهم .
ويهتم في سياقه للأنساب بذكر النساء – والأمهات والبنات – ومن تزوجهن
وأولادهن ، ويتتبع ذلك حتى يذكر نهاية كل ولد ، ومن أعقب منهم ومن مات بدون
عقب.
والكتاب شامل لكثير من الأخبار التاريخية من البعثة النبوية حتى أيام
المؤلف في العصر العباسي الأول ، التي قد لا يوجد بعضها عند غيره.
كما أنه يحرص في غالب الأحيان على تسجيل تاريخ الوفيات ، وأسبابها.
وكتابه نموذج للكتابة في الأنساب والأخبار المتعلقة بها ، والتي يتساهل
العلماء في الرواية والتثبت فيها ، لأنه لا يبنى عليها أحكام شرعية ، ولذلك
لم يلتزم الزبيري في كتابة إسناداً ، ولا حتى إيضاح مصادره ، وهذا يقلل
ولا شك من درجة الثقة في معلوماته ، خاصة إذا انفرد بشيء من ذلك.
منهج كتابة التاريخ الإسلامي ، لمحمد بن صامل السلمي ،ص 445