إنّ
التاريخ عند المسلمين من العلوم التي حازت اهتماما كبيرا ، وذلك لصلتها
المباشرة بعلوم الشريعة ، خاصة السيرة النبوية وعلم الحديث ، ولذلك نجد في
كتابات الأولين الأثر الواضح لمنهج المحدثين في كتابة التاريخ الإسلامي ،
وإنّ المتتبع لأولى الكتابات التاريخية الإسلامية لا يجدها تخرج عن الإطار
الديني ، ولعلّ من أعظم المؤرخين الذين تمكنوا من تثبيت هذا المفهوم لدى
المسلمين الإمام المجتهد أبو جعفر الطبري ، فمؤلفه التاريخي الكبير لا يزال
إلى اليوم مصدرا أساسيا وصرحا معرفيا تاريخيا هائلا لا يمكن الاستغناء عنه
بحال من الأحوال .
وفي
هذا الموضوع سنعرض شيئا من حياة هذا الإمام البارز ، وبعد ذلك نعرّج على
مؤلفه التاريخي ، فنبدأ بـذكر ماهية الكتاب ومنهج مؤلفه ثمّ محتواه المعرفي
، وأخيرا اهتمام المؤرخين به قديما و حديثا .
وقد
جاء الموضوع مختصرا ، وحاولت أن يكون الاختصار غير مخل مستفرغا الجهد في
سبيل تحقيق ذلك ، فإن حققت القصد فهذا توفيق من الله ، وإن جاء الخلل
والنقص وما ذلك ببعيد عن إنسان ، فإنما أُوتي من تقصيرنا والشيطان والله
المستعان .
أولا : تـرجمــة الإمــام الطبـري :
1ـ نسبه :
هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير المكنى بأبي جعفر من أهل آمل بطبرستان(1) ، ولم يذكر أحد ممّن ترجم له سبب هذه الكنية
، وقد كان رحمه الله لا يعرف النساء ، إذ لم يتزوج ولم يكن له ولد يكنى به
، أما النسبة وهي الطبري فنسبة إلى طبرستان ، ونسبه البعض إلى آمل مكان
ولادته ، فيقال محمد بن جرير الآملي الطبري ، والبعض الآخر ينسبه إلى بغداد
التي سكنها وأقام بها حتى وفاته ، فيسمى الآملي الطبري البغدادي (2) .
2- ولادته و نشأته :
ولــد
الطبري سنة أربع وعشرين ومائتين ( 224 هـ/ 838م ) في مدينة آمل ، وقد نشأ
في كنف والده الذي كان حريصا على تلقينه العلم بعد أن رأى فيه ملامح الذكاء
، فجلس إلي حلق العلـم بطبرستان ، فحـفظ القرآن وهو ابن سبـع سنين وكتب
الحديث وهو ابن تسع ، وأراد أن يرحل في طلب العلم فكان له ذلك في سن مبكرة ،
إذ رحـل وهو ابن اثنتي عشر عــاما فقط (3) ، ووصل بغداد وقرأ على شيوخها ،
ثمّ رحل إلى البصرة والكوفة ، وهو في كلّ هذا يبحث عن العلم ويسعى إلي
المعرفة ، فما إن يسمع بعالم أو محدّث في مصر إلا وجهّز نفسه إلى الرحلة .
وكان
من شيوخه خلق كثير في أمصار عديدة ، قال الذهبي في السير:" سمع محمد بن
عبد الملك بن أبي الشوارب و إسماعيل بن موسى السندي وإسحاق بن أبي إسرائيل
وسفيان بن وكيع ومجاهد بن موسى وسعيد بن يحيى الأموي ومحمد بن المثنى وأمما
سواهم " (4).
وممّا
يلاحظ أن أبا جعفر تلقى العلم في رحلته على معظم علماء عصره وسمع عن
الكثير من الشيوخ الثقاة أصحاب الأسانيـد العاليـة ، وهــذا سيكون له الأثر
الكبير في تكوين شخصيته ، فأصبح إمام عصره ، وتصدر مجالس العلم بين أقرانه
، قال الخطيب :"وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيها أحد من أهل عصره ،
وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني ، فقيها في أحكام
القرآن ، عالما بالسنن وطـرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها ، عارفا
بأقوال الصحابة والتابعين ومسائل الحلال و الحرام ، عارفا بأيام الناس
وأخبارهم " (5) .
3- أخلاقه ومواقفه :
كان
الطبري من العلماء العاملين ، فقد رزق حسن الخلق والجـرأة في الحـق
والتواضع ، كان ثقـة صادقا حــافظا رأسا في التفـسير، إماما في الفقه
والإجماع والاختلاف"(6) .
وممّا
يروى من سيرته أنّه لماّ دخل بغداد وكان معه بضاعة يتقوت منها فسُرقت ،
فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه ، فقال له بعض أصدقائه : تنشط لتأديب ولد
الوزير أبي الحـسن عبد الله بن يحيى بن خاقان ، قال نعم ، فمضى الرجل فأحكم
عليه أمره وعـاد فأوصله إلى الوزير بعـد أن أعاره ما يلبسه فقرّبه الوزير
ورفع مجلسه ، وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر ، فاشــترط عليه أوقـات
طـلبه العلـم والصلوات والراحة ، وسـأل إسـلافه رزق شهر ففعل ، وأدخل حجرة
التأديب ، وخرج إليه الصبي ، فلما كتّبه أخذ الخادم اللوح ودخلوا مستبشرين ،
فلم تبق جارية إلا أهدت له صينية فيها دراهم ودنانير ، فردّ الجميع وقال :
قد شورطت على شيء فلا آخذ ســواه ، فدرى الوزير ذلك ، فسأله فقال : هؤلاء
عبيد وهم لا يملكون ، فعظم ذلك في نفس الــوزير(7) ..
وكان
الطبري لا يقبل أعطيات الأمراء ، التمس منه وزير( أن يضع له كتابا في
الفقه فألف كـتاب الخفيف ، فأرسل إليه ألف دينار فردّها (9) . وعُرض على
الطبري القضاء فرفض ، فلما نقله الخاقاني (10) وجه إلى أبي جعفر مالا كثيرا
، فامتنع عن قبولــه ، فعرض عليه المــظالم فعاتبه أصحابه وقالوا له : في
هذا ثواب ، و طمعوا في قبوله المــظالم فانتهرهم وقال : قد كنت أظن أني لو
رغبت في ذلك لنهيتموني عنه (11) . 4- مؤلفــاته ومكانته العلمية :
كان
الطبري جامعا لعلوم الشريعة من قرآن وتفسير ونحو وفقه وعقيدة وتاريخ ،
وشهد له بهذا غير واحد من العلماء ، ومن أهم مؤلفاته كتابه في التفسير
"جامع البيان في تأويل آي القرآن"، وممّا يروى عنــه أنّه قال لأصحابه :
تنشطون لتفسير القرآن ، قالوا : كم يكون قدره ، فقال : ثلاثون ألـف ورقـة ،
فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ، فاختصره في ثـلاثة آلاف ورقة
(12) ، وقال السيوطي عنه : رأس المفسرين على الإطلاق ، وقال عن تفسيره : هو
من أجلّ التفاسير ،لم يؤلف مثله (13) .
وأمّا
في علم الحديث فقال عنه الخطيب البغدادي : إنّه كان عـالما بالسنن وطـرقها
إلى أن قال : و له كتاب سمّاه "تهذيب الآثار " لم أر سواه في معناه إلا
أنّه لم يتمّه (14) ، و قال ابن خلكان : إنّه كان إماما في الحديث (15) .
وأمّا
في الفقه فكان إماما مجتهدا لم يقلّد أحدا (16) ، وله مذهب خـاص به يدعى
المذهب الجريري ، ومن كتبه الفقهية : " لـطيف القـول في أحكام شرائع
الإسـلام " وقد دوّن فيه مذهبه ، وله أيضا اختلاف الفقهاء ، وفي التاريخ قد
ألف كتابا ضخما يعد من أكبر الموسوعات التاريخية الإسلامية ، وقد وسمه بـ :
" تاريخ الرسل والملوك " قال ابن خلكان : كان ثقة في نقله وتاريخه أهمّ
التواريخ وأثبتها (17) . 5
- وفــاتـه:
توفي
أبو جرير الطبري يوم الثامن والعشرين من شهر شوال سنة عشر وثلاثمائة 310
هـ/ 922م في بغداد و دفن بها ، وشيّعه عدد كبير من الأشخاص ، وقد رثاه خلق
كثير(18) .
ثـانيا : كتـاب الطبــري في التــاريخ .
1- ماهية الكتاب ومنهجه : إنّ
تـاريخ الطبري يعتبر من أهم كتب التاريخ الإسلامي فقد حوى كمّا هائلا من
الأخبار ، لذلك فهو مصدر أساسي لكل باحث في تاريخـنا الإسلامي خاصة ، وعن
ماهية هذا الكتاب يقول مؤلفه :"وأنا ذاكر في كتابي هذا من ملوك كل
زمان من لدن ابتدأ ربنا جلّ جلاله خلـق خلقه إلى فنائهم ممّن ابتدأه الله
تعالى بآلائه ونعمه ، فشكر نعمه من رسول مرسل أو ملك مســلّط أو خليفة
مستخلف ، فزاده إلى ما ابتدأه من نعمة في العاجل نعما وإلى ما تفضّل به
عليه فضلا ، ومن أخّر ذلك له منهم وجعله عنده دخرا ، ومن كفر منهم نعمه
فسلبه ما ابتدأ به من نعمه وعجّل له نقمه ، ومن كفر منهم نعمه فمنعه بما
أنعم به عليه إلى حين وفاته وهلاكه ، مقرونا ذكر كلّ من أنا ذاكره منهم في
كتابي هذا بذكر زمانه وجمل من حوادث الأمور في عصره وأيامه (19) .
فالطـبري
ينطلق من نظرته الإيمانية بأنّ كل شيء بأمر الله وقضائه ، وأن له سننا
ماضية لا تبديل لها ، وإيمانه بحرية الإنسان وقدرته على الاختيار وهو في
ذلك يسعى إلى توضيح العــــبر والدروس لأولي الأبصار ، ويريهم كيف تتحقق
سنن الله على البشر .
ونظرة
الطبري إلى التاريخ نظرة دينية ، إذ يعتبره علما من علوم الشريعة ،
ولتوضيح منهجه وما حواه كتابه قال أيضا :"فما يكن في كتابي هذا من خبر
ذكرناه من بعض الماضين ممّا يستنكره قـارئه من أجل أنّه لم يعرف له وجها في
الصحة و لا معنى في الحـقيقة ، فليعلم أنّــه لم يؤت ذلك من قبلنا وإنّما
أوتي من قبل بعض ناقليه إلينا ، وإنا إنّما أدينا ذلك على نحو ما أُدّي
إلينا " (20) .
ولقد
اعتمد الطبري منهج الإسناد في كتابه ، فجمع الأحداث التـــاريخية ودعمها
بسـند أو أكـثر ، وذلك توخيا للصدق والأمانة العلمية ، وهو بذلك أراد توثيق
الخبر التاريخي بنفس المنهج الذي يوثق به الخبر الشرعي ، ولذلك فقد تميّز
هذا المؤلف بسعة معلوماته وجمعه لروايات الإخباريين الذين سبقوه وحفظه لها ،
حيث فقدت الكثير من كتبهم وبقي كتابه الموسوعي الذي استوعب رحمه الله غالب
المصنفات التي سبقته ، كمؤلفات المـدائني (21) والواقـدي (22) وهشام بن
محمد الكلبي (23) والأصمعي (24) وعـوانة بن عبد الحكم (25) والهيثم بن عـدي
(26) .
واعتمد
الطبري نظام الحوليات في سرده أحداث التاريخ الإسلامي ، فالتاريخ حسب
السنين يبدأ في السنة الأولى للهجرة ، ولا تفوتنا الإشارة إلى الذكر أنّ
الطبري لم يكن أول من كتب التــاريخ باعتماد الحوليات ، فالهيثم بن عدي
ألّف كتابا في التاريخ على هذا المنهج بعنوان"كتاب التاريخ على السنين" ،
وهو أمر يشير إلى أنّ الكتابة التاريخية على هذا المنهج كانت معروفة (27) .
وقد
أخذ بعض الباحثين على الطبري أنه يعوّل على الرواية وحدها ، ومع ذلك فلم
يكن يُعدّل الرواة أو يجرحهم كما يصنع علماء الحديث ، اعتقادا منه أنّ
الحديث مصدر من مصادر التشريع تقام عليه الأحكام ، أما التاريخ فلا تقام
عليه أحكام شرعية (28) .
و
إذا كان الطبري في كتابة التاريخ الإسلامي اعتمد على مصادر إسلامية ، فإنّ
الحال يختلف في كتابة تاريخ غير المسلمين ، فليس كلّ الأحداث التاريخية
ممّا يمكن تتبعه من خلال سلسلة من السند الضابط إلى وقت حدوثها ، من ذلك
مثلا أحداث التاريخ قبل ظهور الإسلام والتي لم يجد لها مصادر موثوقة غير
النصوص القرآنية والنبوية ، وحين تعوزه الإشارة في هذه النصوص كان يلجأ إلى
كتب التفسير بما فيها من إسرائيليات ، وكان يعتمد في تاريخ الفرس على
ترجمات عربية لكتب فارسية ، ويعوّل في تاريخ الروم على ما نقله من كتب
نصارى الشام الذين كان لهم بعض العلم بتاريخ الدولة الرومانية ، وليست كل
هذه نصوصا دينية وليس كلها ممّا يمكن تتبعه ، وكانت هذه إحدى أهم المشكلات
التي واجـهها مـؤرخو المرحلة الأولى التي تقوم على التاريخ بالمنقول ،
وتـعـني قـبل كل شيء بالرواية والإسناد (29) .
2- محتوى الكتاب : لقد
بدأ المؤلف كتابه بذكر البدء والخليقة وهبوط آدم إلى الأرض وقـصة قابيل
وهابيل ، ثمّ عــرض للأنبياء من نوح إلى محمد عليهم الصلاة و السلام
، وأرّخ للأمم السابقة ، فذكر أخبار الفــرس وبني إسرائيل ، وقد شغل
الحديث عن الفرس مكانا واسعا ، خاصة تاريخ الساسانيين المتأخر ، ثمّ أعقب
ذلك بالحديث عن بني إسرائيل ، ثمّ ذكــر ملوك الروم مقتصـرا على ســرد
قــائمة بأسمائهم ومـدة حكمهم ، وذكر أيضا ملوك اليمن وأخبـــــار المنادرة
والغساسنة ، كمـــا تحدث أيضا عن أجـداد رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وطرفا من سيرته العطرة قبل البعثة ، ثمّ بدأ الوحي وصولا إلى يوم وفاته
عليه الصلاة والسلام كما تحدّث عن شمائله ، ثمّ استهل عصر الخلفاء الراشدين
و ما كان فيه من أحداث عظام كحروب الردّة و الفتوحات ، ثمّ الفـتنة التي
بـدأت زمن عثمان بن عفان والتي تواصلت في عهد على بن أبى طالب ، ثمّ تحدّث
عن الفتح الإسلامي في عهد الدولة الأموية التي تتناول أخــبارها من يوم
تأسيسها إلى نهايتها ، ليذكر بعدها كيف قامت دولة بني العباس وكيف حـصل لهم
ذلك وأسهـب في ذكر ذلك كلّه ، ثمّ حكى ما وقع في أيام بني العباس وما كان
فيها من اقتتال وفتن ، وتوقـفت أحــداث هذا المؤلف الضخم عند سنة اثنين و
ثلاثمائة للهجرة .
ورغم
أنّ كتاب الطبري يغلب عليه التاريخ السياسي والعسكري فإنّه لا يخلو من
بيان بــعض الاتجاهات الاجتماعية ، كالصراع بين العصبيات العربية وبين
العرب والموالي ، كما يمكن أيضا تتبّع الحركات السياسية كالخوارج والشيعة و
القرامطة والزنج ، كما أبرز معلومات إدارية قيمة تتمثل في تقديم قــوائم
سنوية بعمال الخوارج والديوان وأمراء الحجّ وعمال الأقاليم ، كما أمدنا
بمعلومات عمرانية عن خطط المدن كبغداد ، وتحدث عن الأطوار التي مرت بها
عمارة الحرمين الشريفين (30) .
3-اهتمام المؤرخين بكتاب الطبري :
لقد اكتسب تاريخ الطبري نفوذا واسعا ، ويرجع ذلك قبل كل شيء إلى منهجه ، فقد اعتبر مثالا للصرامة (31) .
وقد ذيّله كثيرون ، منهم غريب بن سعد ( ت 386هـ/ 995م ) ولـه صلة تـاريخ
الطبري ، ومنهم أيضا أيوب بن الكامل المعروف بالملك الصالح ، وهو من كبار
الملوك الأيوبيين بمصر (ت 647 هـ/ 1246م ) .
كما
تُــرجم الكتاب إلى لغات كثيرة ، فترجمه محـمد بن عبيد الله البلعمي ( ت
329 هـ/ 940م ) إلى الفارسية ، وراجت هذه الترجمة ونُقلت إلى التركية في
العهد العثماني ، وطبعت في الإسكندرية عام 1260هـ/1844م ، ثمّ نقلت الترجمة
الفارسية إلى العربية من قبـــل المستشرق " zotenberg " ، وطــبعت في باريس سنة 1291هـ/1874م (32) .
و
لمّا أقبل المستشرقون في القرن التاسع عشر على طبعه طبعة علمية كاملة لم
يجدوا منه نسخة واحدة تامة ، فاضطروا إلى تأليف نسخة متكاملة من الأجزاء
المتفرقة وطبعوه طبعة أولى ما بين سنتي 1295 هـ/ 1879م و 1315 هـ/ 1898م في
ثلاثة أقسام ، بلغت في مجموعها ثمانية وعشرين مجلدا .
القسم الأول: ويضم الأجزاء المتعلقة بما قبل الإسلام وبالسيرة النبوية وبالخلفاء الراشدين حتى سنة 40 هـ .
القسم الثـاني : ويشمل تاريخ الدولة الأموية ما بين سنتي 41 هـ و 130هـ . القسم الثالث : ويمتد بين سنتي 131هـ و 302 هـ .
وقد
ألحـقوا بـه في نهايته المنتخب من ذيل المذيل في أسماء الصحابة والتابعين
للطبري ، وقسما من مختصر غريب بن سعد ، كما أتـبعـوا الطبعة بفهارس شاملة ،
ثمّ أعيد طبعه مرة أخرى في ليدن (هولندا) ما بين سنتي 1314 هـ/ 1897م
و1318 هـ/1901م ، و كان الطبع تحت إشراف المستشرق "دي غويا" ولجنة من كبار
المستشرقين منهم" نولد كيه و غويدي و مولر" . و على أسـاس هذه الطبعة
الأوروبية ، طبع في مصر في المطبعة الحسينية سنة 1339هـ/ 1920م ، ثمّ طبع
في مطبعة الاستقامة سنة 1358هـ/ 1939م بعد حذف التعليقات و الفهارس ، ثمّ
طبع طبعة أخرى في دار المعارف بالقاهرة ، واعتمدت على ما ظهر في المخطوطات
الأخرى لأجزاء الكتاب مع نسخته الأوروبية ..
وقــد
أشرف عـلى هـذه الطبعـة محمد أبـــو الفضل إبراهيم و كانت ما بين سنتي
1379 هـ/ 1960م و 1386 هـ/1967م ، ثم طبع مرة أخرى عام 1386 هـ/ 1967م ،
وجاء في عشر مجلدات (33) ، وتوالت طبعات الكتاب بعد ذلك .
إنّ
الدارس لكـتابات مؤرخينا الأوائل يجدها في الغالب تعتمد منهجا واحدا ،
إنّه الإسناد الذي كان بمثابة الملاذ الذي يلجأ إليه المؤّرخ المسلم لتوثيق
خبره من جهة ولتبرئة ذمته من الخبر إن كان غير صحيح وتحميل نـاقليه
مسؤولية صدقه أو كذبه من جهة أخـرى ، ولقد حاز المسلمـون الريادة حين
ابتدعوا هذا الأسلوب الذي لم يُعهد من قبل في كتابة الأحداث التاريخية ولم
تعرفه أمة من الأمم السابقة أو اللاحقة ، و هي ميزة تحسب لهم ، وهذا يدخل
في إطار الإبداع العلمي ، و كما هو معلوم فإن التوثيق من الأشياء المطلوبة
التي تضفي على الخبر التاريخي مصداقية أكبر .
وقد
جسّد هذا المعنى مؤرخنا الكبير الإمام أبو جعفر الطبري ، فقد أجاد في
كتابه التاريخ الإسلامي بالرواية ، وإن لم يحكم على ناقليها فهذا لا يعتبر
عيبـا في مـؤلفه ، فـجمعه لروايات كثيرة أحيانا قد تكون متناقضة يعتبر عملا
تركيبا ضخما ، ومن أراد تحقيقها قبولا أو رفضــا فما عليه إلا تتبع
أسانيدها والحكم عليها بما تستحق .
لقد
ترك الطبري بصمة واضحة في مجال الكتابة التاريخية ، ففي أيامه بلغ علمان
أساسيان متقاربان إلى حد كبير نضجا كبيرا علم الحديث والتاريخ ، فتدوين
الحديث الشريف عرف عصره الذهبي في القرن الثالث الهجري ، والحال كذلك
بالنسبة لتدوين التاريخ الـذي سيعرف نقلة نوعية مع كتاب الطبري رحمه الله .
ـــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1-آمـل : أول مدن طبرستان ، وهذا الإقليم يضم مدنا واسعة كثيرة .
2- الذهبي، ســير أعــلام النبــلاء، مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، 1986، ج14، ص267 .
3-أمخزون محمـد، تحقيق مواقف الصحابة من الفتنة من روايات الطبري والمحدّثين، مكتبة الكوثر، الرياض، 1994،ج1، ص148 .
4-الذهبي، مصدر سابق ،ج14 ص269
5- الخطيب البغدادي، تــــاريخ بغـداد، دار الكتاب العربي، بيروت ،ج2، ص136. 6- الذهبي، مصدر سابق،ج14،ص270.
7- نفسه،ج14،ص272.
8- الوزير هو العباس بن الحسن أبو أحمد كان أديبا بليغا استوزره المكتفي .
9- الذهبي، مصدر سابق،ج14، ص270.
10- هو محمد بن يحي بن عبيد الله بن خاقان من وزراء العباسيين ، استوزره المقتدر عام 299هـ /911م ، و توفي سنة 312هـ/ 924 م .
11- الذهبي، مصدر سابق ،ج14، ص275.
12- نفسه،ج14 ،ص276.
13- جلال الدين السيوطي، طبقــات المفسريــن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ص82 .
14- الخطيب البغدادي، مصدر سابق ،ج2،ص163.
15- ابن خلكان، وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت ،ج4 ، ص191.
16- نفسه،ج4 ،ص191.
17- نفسه،ج4 ،ص191
18- نفسه ، ج4 ،ص191 .
19- الطبري، تاريخ الرسل و الملوك، مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر، ج1، ص6 .
20- نفسه، ج1، ص7 .
21-
علي بن محمد المدائني : مؤرخ كثير التصانيف من أهل البصرة ، توفي سنة
225هـ / 839م (زهير ظاظا، ترتيب الأعلام على الأعوام، دار الأرقم للطباعة ،
بيروت ،ج1،ص226).
22- محمد بن عمر الواقدي : مؤرخ مشهور له مؤلفات كثيرة، توفي سنة207هـ/822م (زهير ظاظا ، مرجع سابق،ج1،ص218) .
23- ضياء بن محمد الكلبي : مؤرخ عالم بالأنساب من أهل الكوفة ، توفي سنة204هـ/819م (زهير ظاظا، مرجع سابق،ج1،ص218).
24-
عبد الملك بن غريب الباهلي الأصمعي ، راوية العرب من البصرة ، له تصانيف
كثيرة منها الدارات، توفي سنة216هـ/ 831م (زهير ظاظا، مرجع سابق،ج1،ص194) .
25- عوانة بن الحكم : مؤرخ ضرير من الكوفة له سيرة معادية ، توفي سنة147هـ/ 764م (زهير ظاظا، مرجع سابق،ج1،ص194).
26- الهيثم بن عدي : مؤرخ له تآليف كثيرة منها طبقات الفقهاء و المحدثين، توفي سنة207هـ/822م (زهير ظاظا، مرجع سابق، ،ج1،ص217).
27- السيد عبد العزيز سالم، التاريخ و المؤرخون العرب ، دار النهظة العربية، بيروت19886،ص88.
28- عفت الشرقاوي، في فلسفة الحضارة الاسلامية، دار النهظة العربية ،بيروت،1985،ص330
29- نفس المرجع،ص335.
30- أمخزون محمد، مرجع سابق ،ج1،ص223
31- علي أومليل، الخطاب التاريخي دراسة لمنهجية ابن خلدون، معهد الإنماء العربي، بيروت، ص33.
32- أمخزون محمد، مرجع سابق ،ج1، ص226 .
33- شاكر مصطفى، التــاريخ العربي و المؤرخون، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، بيروت، 1978، ص 263 .
المصدر : موقع التاريخ